مجلة التعاون الاقتصادي والتنمية، المجلد 40 - العدد 2

التاريخ: 29 يوليو 2019

تسعى منظمة التعاون الإسلامي، التي تجسد صوت 57 دولة إسلامية، إلى تحقيق عدد من الأهداف النبيلة، ومن أبرزها الوحدة والتكامل فيما بين دولها الأعضاء بهدف تعزيز نمو اقتصادي مستدام. ولبلوغ هذا المراد، على بلدان المنظمة مراعاة عدد من القضايا المهمة ذات الصلة. ومن هذه القضايا "المعرفة الشاملة بقطاع الأعمال" في هذه البلدان، ويتعين النهوض بها لتعزيز ريادة الأعمال. وتفضي عدم كفاية المعرفة الشاملة بقطاع الأعمال في العديد من هذه البلدان إلى الوقوف كحجر عثرة في طريق تحقيق الأعمال التجارية الصغيرة للنجاح (خاصة الأعمال التجارية العائلية) نظرا لافتقارها إلى قدر محترم من الأداء الإداري الجيد. وبوسع الدول الإسلامية أن تحذو حذو إندونيسيا ونيجيريا في نمط علاقتهما من أجل إحداث مزيد من التكتلات التجارية للدفع بعجلة التنمية الاقتصادية بشكل متبادل. ولكي تنعم الاقتصادات بنوع من الاستقرار، يتعين على الحكومات المركزية العمل على تحيين السياسات المالية والنقدية لدعم قطاعي التصدير والاستثمار مع الانتقال على نحو استباقي بتدفقات الاستثمار الأجنبي من القطاعات الساعية وراء الريع إلى القطاعات المعززة للنمو. وفضلا عن ذلك، ينبغي لهذه الحكومات السعي لتنويع استثماراتها والتقليل من مستوى الاعتماد على قطاع النفط. ويعد الاستثمار المحلي في قطاع الإنترنت والاتصالات من العوامل الأخرى التي من شأنها أن تحفز تحقيق مستويات أكبر من التنمية في بلدان منظمة التعاون الإسلامي، لأنه يخول للأفراد إمكانية التواصل على نحو أكثر فعالية والولوج لشتى أنواع مصادر المعرفة. أخيرًا وليس آخرًا، من المهم جدا مراعاة التعامل مع كل بلد وفق ما يمليه سياقه الاجتماعي والثقافي والتاريخي والسياسي الذي يتفرد به من أجل تعزيز وتيسير التعاون الاقتصادي فيما بين مجموعة الدول الأعضاء في المنظمة.

وفي هذا السياق، يتضمن هذا العدد من مجلة التعاون الاقتصادي والتنمية ثمانية مقالات تركز على: ريادة الأعمال، والمهارات المتعلقة بالأعمال التجارية، والأعمال التجارية العائلية، والتجارة البينية في منظمة التعاون الإسلامي، والاستثمار الأجنبي المباشر، والمعونات الخارجية، والخدمات المصرفية الإسلامية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنمو الاقتصادي والصفات القيادية في المنطقة العربية. وفيما يلي موجز مختصر لكل مقال من هذه المقالات.

يبرز المقال الأول المعنون بـ "قياس ومقارنة مهارات العمل الوظيفية والمعرفة المتعلقة به لدى رواد الأعمال: أمثلة من مجتمع الأصناف الذين تجب لهم الزكاة في ماليزيا (كلنتن)" ، أن مستوى المعرفة الشاملة بقطاع الأعمال (وهو أمر ضروري في مجال ريادة الأعمال، ومحفز للنمو الاقتصادي والتنمية) في صفوف رواد الأعمال من الأصناف المستحقة للزكاة متدن نوعا ما. وتتناول الورقة البحثية الموضوع من خلال حساب المهارات التالية من أجل تحديد مدى المعرفة الشاملة بقطاع الأعمال: المهارات المالية، والمهارات الفنية، ومهارات التواصل، والتعرف على اتجاهات السوق، ومهارات الربط الشبكي. وفضلا عن ذلك، تتوزع هذه المهارات في مناطق كلنتن بشكل متفاوت. لهذا يتعين على صناع السياسات والمنظمات التنموية الأخرى التركيز على البرامج التفاعلية من أجل الرفع من مستوى المعرفة والمهارات في صفوف رواد الأعمال من الأصناف الذين تجب لهم الزكاة وتثبيته في جميع المناطق (لا سيما منطقة جيلي).

يتناول المقال الثاني، المعنون بـ "نموذج الحوكمة المرنة للقدرات في مجال الأعمال التجارية العائلية: دراسة تجريبية في مجال النقل بالحافلات في جاكرتا، إندونيسيا" ، العلاقة بين السمات الإدارية من الأعمال التجارية العائلية (صناعة الحافلات في جاكرتا، إندونيسيا) والأداء الإداري. وأظهرت نتائج الدراسة أن الأداء الإداري المنخفض قد أدى إلى تراجع مستوى الاستمرارية وأثبت أن القدرة على الحوكمة المرنة من شأنها التوسط في العلاقة بين الخسائر الخاصة بمتغير السمات الإدارية في مجال النقل بالحافلات في جاكرتا. ويمكن استخدام النتائج لإثراء البحوث في مجال الأداء الإداري، والأعمال التجارية العائلية، وإدارة الموارد البشرية.

ويسلط المقال الثالث، "العلاقات الاقتصادية الخارجية بين إندونيسيا ونيجيريا: شراكة من أجل التنمية الاقتصادية" ، الضوء على عدد مهم من الاتفاقيات الثنائية الناجحة المبرمة بين جمهورية نيجيريا الاتحادية وجمهورية إندونيسيا في المجالين الاقتصادي والتجاري. ففي عام 2001، وقع البلدان اتفاقية تعاون اقتصادي وفني بغية إحداث لجنة مشتركة هدفها تعزيز العلاقات في المجالات ذات الاهتمام المشترك التالية: الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعاون الفني. ومنذ عام 2014، باتت نيجيريا أهم شريك تجاري لإندونيسيا في أفريقيا، وبدورها استثمرت إندونيسيا جيدا في التصنيع وذلك من خلال القطاع غير النفطي. وبالإضافة إلى ذلك، خلصت الدراسة إلى أن بوسع نيجيريا الاستفادة بشكل كبير من إندونيسيا من خلال تحسين سعيها لتصدير البضائع غير النفطية في اتجاه تسهيل التنمية الاقتصادية.

ويتناول المقال الرابع المعنون بـ "المعونات الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات العمال الدوليين في نيجيريا: هل هي مكملة للاستثمارات أم تحل محلها؟" آثار تدفقات رأس المال (الاستثمار الأجنبي المباشر، والمعونات الأجنبية، وتحويلات العمال الدوليين) ذات الصلة بعلاقة التكامل وقابلية الاستعاضة على النمو الاقتصادي في نيجيريا منذ عام 1970 حتى عام 2016. توصلت النتائج إلى أنه فيما يخص التأثير على النمو الاقتصادي، فالاستثمار الأجنبي المباشر والمعونات الأجنبية يعتبران استثمارين بديلين، والمعونات الأجنبية وتحويلات العمال الدوليين استثمارات مكملة، بينما يعد الاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات العمال الدوليين استثمارات بديلة. وأوصت الدراسة الحكومة المركزية بالعمل على تيسير تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من القطاع الساعي وراء الريع (النفط) إلى القطاعات المعززة للنمو (التصنيع والخدمات والسياحة والزراعة).

يشير المقال الخامس، "نمذجة آثار مكونات الإنفاق الاقتصادي الكلي على واردات باكستان من الصين" ، إلى علاقة التكامل المشترك الطويل الأمد القائمة بين واردات باكستان من الصين ومكونات الإنفاق الاقتصادي الكلي التالية: نفقات الاستهلاك الشخصي، والإنفاق على الاستثمار، ونفقات التصدير، والإنفاق الحكومي، والأسعار النسبية. وكان الطلب على الواردات موضوعا مراعيا بشكل كبير لمسألة التغير في نفقات الاستهلاك الشخصي. وكان للإنفاق على الاستثمار أثر سلبي على واردات باكستان من الصين. بالإضافة إلى ذلك، كان لنفقات التصدير والإنفاق الحكومي تأثير إيجابي كبير على الطلب على الواردات، وفي الوقت ذاته كان للأسعار النسبية أثرا إيجابيا لكنه ليس بالقدر الكبير من الأهمية. لذلك، قد لا يكون لتقييد الواردات من خلال سياسة أسعار الصرف أهمية كبيرة على المدى الطويل. كما ينبغي تصميم السياسة المالية والنقدية بصيغة تدعم قطاعي الاستثمار والتصدير. وفضلا عن ذلك، يتعين على الحكومة الباكستانية التقليص من معدل واردات السلع الفاخرة من الصين وإحياء اتفاقية التجارة الحرة لخفض عجزها التجاري.

ويبرز المقال السادس، "هل تدعم الخدمات المصرفية الإسلامية استقرار الأسعار؟ أدلة تجريبية من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والسودان" ، العلاقة بين نمو الخدمات المصرفية الإسلامية والتضخم في دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والسودان خلال الفترة الممتدة بين عامي 2001 و 2015. ومن خلال حالة سبع دول شملتها الدراسة، تبين أن في خمس من هذه الدول ساهمت الخدمات المصرفية الإسلامية في تراجع مستويات التضخم في الأسعار المحلية. وكانت عوامل القصور الذاتي المتعلق بالتضخم والنمو النقدي وتراجع أسعار الصرف من المسببات الرئيسية لارتفاع مستويات التضخم في هذه الاقتصادات. وفي الوقت الذي أدت فيه الزيادة في الأسعار الدولية للغذاء والنفط إلى ارتفاع الأسعار المحلية في بعض البلدان، شهدت بلدان أخرى تراجعا في الضغوط التضخمية. ويمكن أن يعزى ذلك للدعم الحكومي. وتظهر النتائج التجريبية أن هناك حاجة إلى التنويع في الأنشطة الاقتصادية والنقص من مستوى الاعتماد على النفط. ويقيم المقال كذلك مسألة حاجة السلطات النقدية إلى تنفيذ سياسات نقدية مشددة.

والمقال السابع الحامل لعنوان "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنمو الاقتصادي: شواهد من الاتحاد الأوروبي وتركيا" يستكشف مدى مساهمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي وتركيا بين عامي 1997 و 2014 اعتمادا على معدلات نمو الاشتراكات في خدمات الهاتف الثابت والإنترنت والهواتف المحمولة كمتغيرات استدلالية. ويتبين من خلال تحليلات البيانات الثابتة والديناميكية أن لمتغيري اشتراكات الهاتف الثابت والإنترنت تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي. بينما أظهرت النتائج غياب أي ارتباط إحصائي مهم بمعدل نمو خدمات الهاتف المحمول. وكما هو متوقع، للنمو الاقتصادي علاقة إيجابية بنمو رأس المال المادي، لكنه يرتبط سلبا بالنمو السكاني.

ويلقي المقال الأخير، "مفهوم وأسس القيادة في الفلسفة العربية" ، الضوء على أوجه الاختلاف في التفضيلات وقيم المجال في سياق الدول العربية، التي ينظر إليها في العموم كمجتمع واحد له ثقافة واحدة. وشهدت الدول العربية أشكالا مختلفة من الاستعمار وتتنوع أنشطتها الاقتصادية وسماتها الجغرافية ومكوناتها العرقية والقبلية وأوساطها البيئية. وكل هذه العوامل تلعب دورا مهما في التأثير على طبيعة القيادة التي يرغب فيها ويفضلها كل شعب من شعوب هذه البلدان. وأشارت نتائج الدراسة إلى طبيعة تجذر مفهوم القيادة لدى الشعوب العربية وارتباطه المتين بالتصور والموروث العربي المتعلق بترسيخ القيادة الفعالة. بالإضافة إلى ذلك، تناولت هذه الدراسة قياس وفحص وجهات النظر المتنوعة بخصوص القيادة من زاوية أكاديمية، وذلك من خلال تقديم أسس راسخة لتقييم مفهوم القيادة.

وفي هذا السياق، سيواصل سيسرك بذل جهوده لجعل مجلة التعاون الاقتصادي والتنمية مجالا مفتوحا أمام الأكاديميين والباحثين داخل وخارج الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لمشاركة أبحاثهم ودراساتهم القيمة مع جميع المهتمين من دول المنظمة والعالم الإسلامي ككل، وذلك من خلال تزويدهم بفرصة لمواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية في البلدان الأعضاء في المنظمة في ظل التغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي.

نبيل الدبور

رئيس التحرير

 مقالات مجلة التعاون الاقتصادي والتنمية، المجلد 40 العدد 2 (2019)