كلمة ترحيب يلقيها المدير العام في برنامج الإفطار المتزامن مع الذكرى الأربعين لسيسرك
التاريخ : 01 يونيو 2018
مكان الانعقاد: أنقرة تركيا

ألقى سعادة السفير موسى كولاكليكايا كلمة ترحيب في برنامج الإفطار الذي نظم بمناسبة الذكرى الأربعين لسيسرك.

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب السعادة، ضيوفنا الكرام، أيها السيدات والسادة،

السلام عليكم

طاب مساؤكم، ورمضان مبارك كريم

اسمحوا لي في البداية أن أرحب بكم جميعا وأشكركم جزيل الشكر على تلبيتكم لدعوة سيسرك إلى هذا الإفطار الذي دأبنا على تنظيمه كل شهر رمضان.

كما أود أن أتوجه إليكم وإلى جميع أفراد أسركم وإلى الأمة الإسلامية جمعاء بأخلص التهاني والأماني بمناسبة هذا الشهر الفضيل.

قال الله عز وجل في كتابه الكريم:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة، الآية: 183).

إن الصيام عبادة تزرع في نفوسنا خصالا من قبيل الصبر والإيثار والامتنان، فأثناء صيامنا نستشعر معنى الألم والحرمان والجوع، ولا يسعنا إلا أن نتعلم كيف نتحمل ذلك بقدر من الصبر.

ولا يتحقق المقصود من وراء هذه التجربة الفريدة، إذا ما وضعناها في سياق اجتماعي وإنساني، إلا بالعطف الصادق على المقهورين ومن تنهشهم الفاقة في جميع أنحاء العالم والعمل على الاستجابة لاحتياجاتهم. إن الصيام لشهر كامل يجعل من رمضان نموذجا فريدا من نوعه للتضامن والتعاضد والأمر ليس حكرا على المسلمين فقط بل يشمل كل الناس بمختلف أطيافهم.

فهذا الشهر الفضيل يجسد فرصة سانحة للاحتفاء بقيم الوسطية والتسامح والتعايش السلمي،

كما أنها فرصة كبيرة لجميع المسلمين في جميع بقاع العالم لإبراز روح التعاطف مع من هم أقل حظا، مثل أولئك الذين يقضون صيام رمضان في المخيمات ومراكز إيواء المهاجرين، ومد يد العون لهم وعدم البخل عليهم بالدعاء - وهو أضعف الإيمان.

ضيوفنا الكرام، أيها السيدات والسادة،

إن صيحات المضطهدين والضحايا التي تنفطر لها قلوبنا تتعالى من كل حدب وصوب مصحوبة بمشاهد تدمع لها العين. ومع الأسف الشديد، فإن جل هذه المشاهد والصيحات تحصل بيننا - معشر المسلمين.

ففي أيامنا هذه، تشهد منطقة منظمة التعاون الإسلامي أحداثا يندى لها الجبين، بحيث تتسبب الصراعات العنيفة في كرب عظيم، والطائفية في تقسيم جسد هذه الأمة، والحرب الأهلية في تهديد سلمنا وأمننا، فيما يستهدف الإرهاب والحركات المتطرفة استقرارنا.

هذا الوضع أفرز الكثير من المعاناة، والأمثلة التي تعكس حجم هذه المعانات ليست بالقليلة في دول المنظمة.

فمن سوريا إلى اليمن ومرورا بليبيا ثم أفغانستان، راح الملايين من الأشخاص ضحايا للعنف والنزاعات، ونزح حوالي 25 مليون آخرين إما داخل حدود دول المنظمة أو إلى ما وراءها.

وهنا لابد من استحضار إخواننا وأخواتنا المسلمين في ميانمار، حيث تتعرض أقلية الروهينغا المسلمة لواحدة من أشنع حلقات التطهير العرقي في التاريخ الحديث.

وينبغي أيضا ألا نغفل عن المأساة الفلسطينية، بحيث أثبتت مجددا الأحداث الأخيرة في غزة والمجزرة التي حصلت في حق المتظاهرين المدنيين العزل أن إخواننا في فلسطين يعانون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، وبأن القضية الفلسطينية جرح في قلب العالم الإسلامي ينزف.

في ظل هذه الأوقات العصيبة التي نمر بها، ما أحوج العالم الإسلامي إلى وضع القيم المشتركة بين كل أطرافه فوق كل اعتبار وإبراز قيم الوحدة والتضامن كشعار لا مناص منه لتحقيق المراد.

فمن خلال ترسيخ قيم الوحدة والتضامن والتحلي بها سيكون بوسعنا القضاء على شتى الفتن التي توقع بين مختلف أطياف المسلمين وتفرق بينها وبالتالي تمزق جسد هذه الأمة، وسيصير بوسعنا كذلك أن نشكل قوة قادرة على الذّود عن العدل والسلام والحقوق والحريات سواء داخل حدود العالم الإسلامي أو خارجها.

واليوم تستدعي الأزمات التي تتخبط فيها الدول الإسلامية التسلح بمزيد من روح التضامن أكثر من أي وقت مضى. إن التضامن في سياق عالمنا الإسلامي قد صار حاجة ملحة ولا غنى عنه.

ضيوفنا الكرام، أيها السيدات والسادة،

إن برنامج الإفطار لهذا العام يكتسي طابعا خاصا بالنسبة لنا، لأنه يتزامن مع الذكرى الأربعين لتأسيس مركزنا سيسرك (مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية)..

وكما يعلم معظمكم، فإن سيسرك واحد من أوائل مؤسسات منظمة التعاون الإسلامي التي تم إنشاؤها.

فقد شرع المركز في أداء مهامه في غرة يونيو عام 1978 في مدينة أنقرة حاملا على عاتقه مهمة خدمة المنظمة ودولها الأعضاء في ثلاثة مجالات عامة، وهي الإحصاءات، والأبحاث الاجتماعية والاقتصادية، والتدريب. وفي إطار تنفيذ ولايته ضمن هذه المجالات الثلاثة، اعتمد سيسرك، على مدى العقود الأربعة الماضية، تدابير جديدة وشرع في تطبيق مقاربات جديدة بهدف إجراء مزيد من الأنشطة الموجهة نحو النتائج وتنفيذ إجراءات منسقة تنسيقا سليما لمواجهة التحديات التي تواجهها البلدان الأعضاء في مساعيها التنموية.

ضيوفنا الكرام، أيها السيدات والسادة،

وبهذه المناسبة، أي الذكرى الأربعون لتأسيس سيسرك ومشاركته الفعالة في الجهود المشتركة الرامية إلى تحقيق الأهداف النبيلة لمنظمة التعاون الإسلامي، أود أن أؤكد لكم بأن سيسرك سيواصل تعزيز دوره في دعم جهود المنظمة وبلدانها الأعضاء من أجل تعزيز أواصر التعاون والوحدة والتضامن وضمان تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والازدهار للأمة الإسلامية.

وفي الختام، أدعو الله عز وجل أن يجعل شهر رمضان المبارك عزيزا على قلوب جميع المسلمين، وأن يجعله فرصة سانحة لنزع فتيل الحروب والصراعات في العالم الإسلامي وإنهائها، وفترة تسود فيها المحبة الأخوية ويتحد خلالها المسلمون ويستأصلون كل جذور الفوضى والتشرذم، وفرصة لنشر السلام والأمن والاستقرار في العالم الإسلامي وخارجه.

ندعو الله عز وجل أن يهدينا إلى الطريق المستقيم وبغمرنا برحمته، ويتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،